بدات اتحسس اشكالا واتسمع اصواتا واتتبع اضواء لا عهد لي بها من قبل .. او على الاقل بدات هذه الاشياء تبرز لي فى تميز وتحديد وسط ذالك الخليط الذى ما زلت اشعر باننى اعيش فيه .وبادت اشعر بالفة لهذه الاصوات ,وهذه الاشكال وهذه الاضواء بعد ان كان العالم المالوف بالنسبة لي مجرد روائح وطعوم , ولا شئ سوى الروائح والطعوم .
ولقد اصبحت اشعر بلهفة شديدة نحو هذه الاحاسيس التى الفتها اخيرا , وخاصة ذالك الشئ الكبير البهم الذى يؤمننى من خوف , ويطعمنى من جوع , ويداعبنى ويناغينى فى بعض الاحيان . ان كل ما استطيع ان اميزه من ذالك الجسم المستدير الطرى الدافئ الذى احصل منه على طعامى . ذالك الثدي .. وهاتان الذرعان . القويتان اللتان تلتف حولى فى قوة ورفق فتشعرانى بالطمأنينة والامن .
وتلك الاصوات الرخيمة الهادئة الوادعة .. لقد اصبحت الان تتسلل الى اذنى فى وضوح وتميز معلنة قرب الفرج.. اننى استطيع ان اعرفها من بين الاف الاصوات التى تقع على اذنى فى كل لحظة, انها اشارات الانقاذ , وياله من انقاذ!
ماذا دهاها اليوم , تلك المخلوقات التى اعيش معها؟! لقد اخذت اصيح وابكى من الالم والجوع دون ان يسعى احد الي انقاذى !ماذا يظنوننى؟! لست بحديد ولا حجر, ام تراهم يريدون ان يجعلو منى حديدا او حجرا !؟ لقد بكيت حتى تقلصت يداى فى جمود , وتصلب جسمى واصبح وجهى محتقنا بالدماء , وكدت اختنق . لاول مرة اشعر اليوم بالخوف !نعم الخوف الشديد من ان تستمر الامى هذه ز لقد كرهت اليوم العالم وكرهت من فيه .. بل لقد شعرت اننى كدت افارقه لو لا ان انقذنى ذالك الشئ القوى الغامض .. يالها من لحظة احببت فيها الحياة عندما لمست الثدي مرة اخرى . واخذت ارشف منه قطرات الحياة !
لم تعد نظراتى الى ذالك الشئ نظرة كائن حي الى مصدر غذائه فحسب , بل اننى اشعر نحوه بعاطفة .. نعم عاطفة قوية جارفة , اننى ارضع من اللبن شيئا اخر غير الغذاء شيئا شعرت به اليوم بكل قوتى وبشكل لن انساه : الامن .. الراحة .. الاطمئنان.. الهدوء النفسى , بل كان هذه الاشياء مختلطة بالحياة . كان كيانى يهتز اهتزاز , وكان قلبي يضطرب اضطرابا فاذا بشعور لذيذ سار يسري فى كيانى احسست معه وكانى عدت مرة اخرى الى فردوسى الصغير الذى افتقدته منذ ان ولدت اننى اعشق الان الثدى .,وذالك الشئ الكبير القوي البهم الذى يقدمه لي .. امي! فهى مصدر حياتى , وراحتى,واطمئنانى.
لقد كان من شدة فرحتى اليوم بالثدى وشدة عشقى له انى اردت ان اطيل مدة تمتعى به , فاخذت العب به بعد ان رشفت القطرات الاولى التى اسكت بها الام الجوع الشديد! اخذت ارضع قليلا ثم ادع الحلمة تنزلق من فمى وانا مسرور اغرغر , وارفس بساقي فرحانا , ثم اعود فاداعب الحلمة بشفتى من جديد ارشف منها قطرات اخرى , لا لغرض الحصول على الغذاء بقدر ما هو لغرض الحصول على لذة اخرى , وهى لذة الامتصاص ولذة الدفء والراحة والاطمئنان!
لقد ظنت امي اننى لااريد ان ارضع ثديها من فمى , وشدت ما كانت ثورتى عارمة ! لقد ظننت اننى افتقدت الثدى الى الابد ! لقد قتلتنى بهذه الفعلى كاشد ما يقتل العاشق ولكن كان كرهى لها شديدا فى هذه اللحظة بل لقد تمنيت لو استطيع الانتقام منها . وظللت اتمزق من الغيظ والحنق لولا ان اعادت لي الحلمة مرة اخرى فتنفست الصعداء وتعلمت ان اكون جادا فى هذه المرة حتى اروي ظمأى على الاقل .
اخر الشهر الثانى
تكررت الاوقات التى اترك فيها مدة طويلة دون غذاء . وقد ظننت اول الامر انه سهو او نسيان , ولكنى وجدت بمرور الزمن ان هذا السهو اصبح منتظما واصبحت فى كل مرة يطول بكائ قبل ان اسمع الصوت الحنون , او المس الذراعيين القويتين الرقيقتين
واصبحت اكثر من ذالك استطيع ان احدد بنفسى ميعاد قدوم الطعام ..والحنان..عجبا!من ذا ياترى الذى اسر الى امي بهذه النصيحة الفذة؟ لابد انه شيطان ماكر اراد ان تسير امو الكبار على اهوه وجه , وربما ظن كذلك ان فى هذا تعويدا للصغار على النظام !وفعلا فقد ثبت لي انه لا فائدة من الصياح ,ولك....
لكن واحسرتى لم اشعر الان بالياس والقنوط .ان الكائن الوحيد الذى تعلقت به , وبذلت له كل حبى اصبح لايستجيب للساعة التى على الحائط, وما الفائدة بعد ذالك من تكوين اى علاقة مع هذه الكائنات المثيرة للاسى والحزن ؟ على ان اقبل اى وضع يفرضه علي هذا الكون لكى اعيش! وماذا عساى ان افعل انا الصغير الذى لا حول له ولا قوة ؟! لو كانو يعملون لي ولشعورى وحاجاتى ومطالبى حسابا لما اصبح هذا حالي من الياس!
اننى اشعر بان كل ما حولى جامد بارد لا عاطفة فيه ولم اكون انا كذلك.. لكى اعيش ؟!ياللغرابة !.اتراهم كانوا يصرون على وضع هذا الجدول الجامد البارد لرضاعتى لو علمو انه ستترتب عليه كل هذه النتائج ؟لا اظن.لقد كان الاولى بهم ان يستجيبوا لحاجتى انا وليس للساعة التى على الحائط
فمى والعالم
اليوم الاخير من الشهر الثالث
سارت حياتى فى حركة رتيبة طوال هذا الشهر, اصحو لاتناول طعامي ثم يغلب علي النعاس فانام . والواقع انى انام معظم الوقت. فلقد تعلمت ان اصحو فى الوقت المناسبفلا استيقظ الا فى مواعيد طعامى تقريبا . ولولاما يؤرقنى احيانا من الام فى المعدة او الامعاء , او مما قد يصيب جلدى من التهابات او غير ذالك لما صحوت الا فى ميعاد طعامى فقط, اذ هو الوقت الذى احصل فيه على كل شئ لي فى هذا الوجود – على امى.. فهى التى اجد عندها الامان والحنان والامن والغذاء والراحة وكل شئ .
لقد اصبحت اقلق بشدة اذا صحوت فلا اجدها بجانبى . اننى اخاف ان افقدها الا الابد فانا لا اجدها بجانبى الا فى اوقات الطعام واوقات الاستحمام فقط . اما فى ما عدا ذالك فهى تتركنى وحيدا ولعلها ترجو بذالك ان تشجعنى على البقاء وحيدا او ربما تتخذ هذه الوسيلة لتشجعنى على النوم بقدر المستطاع .
اليوم العاشرمن الشهر الرابع :
لقد اصبحت الوحدة تقلقنى اشد القلق .ان الوحدة بالنسبة لي معناها الالم ,الم الجوع , والم الحرمان, والم الصياح والبكاء , وربما الام الجلد والمعدة والامعاء فى بعض الاحيان.
والعجيب ان ساعات نومى اصبحت اقل من ذى قبل, واصبحت اجد نفسى وحيدا فترة طويلة , يالها من فترة ! انها تبدولي فى بعض الاحيان لا نهاية لها لشدة ما اعانيه من الام . اننى اتصور احيانا انى فقدت كل شئ فقدت كل ما يؤمننى فى هذا العالم ويزيل عنى الخوف – نعم لقد اصبحت اخاف.. اخاف الوحدة , واخاف غياب امى , واخاف السكون , اريد شخصا دائما الى جانبى يؤمننى من هذه المخاوف..
لقد اصبحت رؤية الناس عندى شيئا لطيفا , لب مريحا ومطمئنا. لقد اصبحت آنس لهم واهتم بوجودهم . اننى اجد فى كنفهم الهدوء والاستقرار لطول ما اشبعونى من جوع , وامنونى من خوف . لقد حملنى بعضهم اليوم واخذ يداعبنى فوجدت فى نفسى راحة عظيمة , وانفرجت اسارير وجهى وافترت شفتاى عن ابتسامة الرضا بل شعرت بسرور يعم جميع اجزاء جسمى حتى لقد تبولت عليه ! لم اكن اقصد ان ابلله بل لقد كانت جميع عضلاتى فى حالة استرخاء تام .. وسمعت تعليقا لطيفا على هذا الحادث وهو اننى اتبول دائما على من احبه , لقد عبر هذا اللفظ تعبيرا صادقا عن شعورى فى هذه اللحظة . نعم كنت فعلا احب هذا الشخص فى ذالك الوقت , لان اشاع في احساسا لطيفا بمداعبته لي , وتلك الاصوات والنغمات والحركات الرتيبة التى كان يحدثها اثناء مداعبته لي .
لم يعد من السهل ان اتخلى عن الثدى بع ان املاء معدتى بل اصبحت اشعر حتى ان اشبع جوعى برغبة ملحة فى عملية المص . انها عندى استمرار لخبرة لذيذة سارة هى خبرة الصول على طعام , وتكرارها يعيد اليى نفسى الشعور بالارتياح الذى يغمرنى عندما ارتشف قطرات اللبن التى اسكت بها الام الجوع – ومع ذالك فانهم لايوفرون لي هذه اللذة , بل يأبون الا ان يحرمونى منها . قد اكتشفت اليوم اكتشافا عظيما اصبحت به فى غنى الثدى عندما افتقده ..
رايت بالصدفة شيئا يلوح امام عينى فى الفضاء . وكنت اراه من قلب ولكن كالخيال ثم اخذ يتحدد امامى شيئا فشيئا بمرور الوقت , وكم كانت صدفة سعيدة عندما وقعت يدى على ذالك الشئ ودفعت به الى فمي فوجدت فيه غوثا لملهوف نهم .. قبضت عليه فى اصرار , واخذت ارتشف منه تماما كما افعل عندما ترضعنى امى . وكم عجبت بعد ذالك عندما تيقنت من ان هذا الشئ الذى ارضعه ما هو الا اصبعى انا , وانه مثبت فى يدي التى تسكن معى باستمرار !.. آه لو علمت ذالك من زمان !اذن لا غنيت نفسى عن الصراخ الذى تكلفته طوال تلك الايام .
فى خلال الشهر الخامس
ضبطتنى امى وانا ارضع اصبعى ! لكنها لا تريد ان ترحم , ولا ان تجعل رحمة ربنا تنزل .. لقد حاولت بكافة الوسائل والطرق ان تمنعنى عن هذا العمل الذيذ السار ..عجبا ! اننى اراها تضع اصبعها فى فمها هى الاخرى عندما تقع فى ازمة وتاخذ فى التفكير .. واننى لارى ابى وهو يضع فى فمه شيئا اخر يسميه سيجارة عندما يكون فى مثل هذا الموقف ! واى موقف اشد على نفسى من حرمانى من موضوع لذتى ! ان اكبر لذة لي الان هى عملية الامتصاص . لذة الدنيا كلها بين شفتى, ولكنهم مع ذالك يريدون ان يحرمونى منها !
لقد عجزت امى عن حماى لتركى هذه العادة اللذيذة : عادة مص اصبعى , فارادت ان تقسرنى عن ذلك قسرا : لقد قامت بربط ذراعى حتى لا استطيع ان اصل بابهامى الى فمي ! انها لا تعلم كم انا بحاجة ملحة الى هذا الفعل 1 انها تظن اننى آلة بحض ارادتها هى .. نعم انها تستطيع ان تمنعنى من ان اضع اصبعى فى فمى , ولكنها لن تنجح فى هذا الابثمن باهظ . لقد احدث لي هذا الفعل حالة توتر نفسى شديدة .. اننى اجد نفسى فى شدة الحنك والغيظ من جراء هذا الفعل , ولكن ماذا افعل؟ لا حيلة لي ! اننى اشعر الا اننى شئ تافه تلعب القوى المحيطة به كما تشاء وان هذا الشعور ليخيفنى ايما خوف! انه يبعث فى جسمى كله الرغبة فى التحطيم . ولكننى اخاف.. اخاف.
لم تقتصر امى على ان تمنعنى من مص اصبعى , بل انها تكاد لا تسمح لي ان اضع اى شئ اخر فى فمي ..ان ذالك على حد قولها يتنافى مع رغبتها فى ان اكون نظيفا ! او رغبتها فى ان ابقى فى صحة جيدة .. انها تريد ان تحافظ على صحتى الجسميه , ولكن رغباتى ليس لها حساب عندها ! انها لا تعلم انه ليس لي الان سوى ذالك الجزء الحساس فمي.. ان فمى لم يعد الوسيلة فى الحصول على طعامى فحسب , بل هو وسيلتى الوحيدة الان لكى اتعرف على هذا العالم الذى اعيش فيه , وكيف اعيش آمنا اذا لم ادرك ما حولي ؟! وهذه هى الوسيلة ادركى اننى افكر بفمى وكما احصل على العطف والحنان بفمي .. ان فمي الان هو كل شئ لي , فيه ارضع, وبه احصل على اللذة , وبه اشعر بالعاطفة , وبه اعرف .. لكن تمنيت ان يعرف ابواى هذه الحقائق ! لكم تمنيت لو تاكدت امى اولا من اننى قد اشبعت جوعى تماما ومن انى لست محروما من حقى المشروع فى اللعب اللمتع بالثدى قبل ان تتعسف معى الى هذا الحد !!